الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد القاسمي في الآية: قال رحمه الله:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.أي: مبدعهما وخالقهما على غير مثال سبق. وكل من فعل ما لم يسبق إليه يقال له: أبدعت. ولهذا قيل لمن خالف السنة والجماعة: مبتدع؛ لأنه يأتي في دين الإسلام، ما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، وهذه الجملة حجة أخرى لدفع تشبثهم في ولادة عيسى بلا أب، وعلم عزير بالتوراة بلا تعلم. وتقرير الحجة: إن الله سبحانه مبدع الأشياء كلها، فلا يُبْعد أن يوجِد أحدًا بلا أب، أو يعلم بلا واسطة بشر.وقال الراغب: ذكر تعالى في هذه الآية حجة رابعة، شرحها: إن الأب هو عنصر للابن، منه تكوّن. والله مبدع الأشياء كلها، فلا يكون عنصرا ًللولد، فمن المحال أن يكون المنفعل فاعلًا.وقوله تعالى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] أي: إذا أراد أمرًا. والقضاء: إنفاذ المقدر. والمقدر ما حد من مطلق المعلوم.قال الراغب: القضاء إتمام الشيء قولًا أو فعلًا، فمن القول آية: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4]، ومن الفعل قوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] وقضى فلان دينه، وقضى نحبه، وانقضى الأمر.ثم قال: ونبّه بقوله: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا} على حجة خامسة، وهو أن الولد يكون بنشوء وتركيب، حالًا بعد حال، وهو إذا أراد شيئًا، فقد فعل بلا مهلة، ولم يرد ب {إذا} حقيقة الزمان، إذ كان ذلك إشارة إلى ما قبل وجود الزمان، ولم يرد أيضًا ب {كن} حقيقة اللفظ، ولا بالفاء التعقيب الزماني. بل استعير كل ذلك لأنه أقرب ما يتراءى لنا به سرعة الفعل وتمامه، وذكر لفظ القضاء إذ هو لإتمام الفعل، والأمر لكونه منطويًا على اللفظ والفعل، والقول؛ إذ هو أخف موجد منا وأسرعه إيجادًا، ولفظ: {كُنْ} لعموم معناه واختصار لفظه، ثم قال: {فيكون} تنبيهًا لأنه لا يمتنع عليه شيء يريد إيجاده. و: {كُن فَيَكُونُ} وإن كان مخرجها مخرج شيئين، أحدهما مبني على الآخر، فهو في الحقيقة شيء واحد. انتهى.والذين ذهبوا إلى أن المراد ب {كن} حقيقة اللفظ، ورد عليهم سؤال مشهور، وهو: إن: {كن} لفظ أمر، والأمر لا يكون إلا لموجود؟. فبعضٌ أجاب بأنه أمرٌ للشيء في حال تكونه لا قبله ولا بعده. وبعضٌ قال: هو أمر لمعلوم له، وذلك في حكم الموجود، وإن كان معدوم الذات. وبعضٌ قال: هو أمر للمعدوم. قال ويصح أمر المعدوم كما يصح أمر الموجود.ولهم أجوبة أكثر تكلفًا وتمحلًا.وقد سئل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا بأنه إن كان المخاطب ب {كن} موجودًا، فتحصيل الحاصل محال. وإن كان معدومًا، فكيف يتصور خطاب المعدوم؟ فأجاب بقوله: هذه المسألة مبينة على أصلين:أحدهما: الفرق بين خطاب التكوين الذي لا يطلب به سبحانه فعلًا من المخاطب، بل هو الذي يكوّن المخاطب به، ويخلقه بدون فعل من المخاطب، أو قدرة أو إرادة أو وجود له، وبين خطاب التكليف الذي يطلب به من المأمور فعلًا أو تركًا يفعله بقدرة وإرادة، وإن كان ذلك جميعه بحول الله وقوته؛ إذ لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الخطاب قد تنازع فيه الناس، هل يصح أن يخاطب به المعدوم بشرط وجوده أم لا يصح أن يخاطب به إلا بعد وجوده؟ لا نزاع بينهم أنه لا يتعلق به حكم الخطاب إلا بعد وجوده، وكذلك تنازعوا في الأول هل هو خطاب حقيقي؟ أم هو عبارة عن الاقتدار وسرعة التكوين بالقدرة؟. والأول هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة. والأصل الثاني: أن المعدوم في حال عدمه، هل هو شيء أم لا؟ فإنه قد ذهب طوائف من متكلمة المعتزلة والشيعة إلى أنه شيء في الخارج وذات وعين، وزعموا أن الماهيات غير مجعولة ولا مخلوقة، وأن وجودها زائد على حقيقتها، وكذلك ذهب إلى هذا طوائف من المتفلسفة والاتحادية وغيرهم من الملاحدة.والذي عليه جماهير الناس، وهو قول متكلمة أهل الإثبات والمنتسبين إلى السنة والجماعة، إنه في الخارج عن الذهن قبل وجوده ليس بشيء أصلا ولا ذات ولا عين، وإنه ليس في الخارج شيئان أحدهما حقيقة، والآخر وجوده الزائد على حقيقته. فإن الله أبدع الذوات التي هي الماهيات. فكل ما سواه سبحانه مخلوق ومجعول ومبدع ومبدوء له سبحانه وتعالى. ولكن في هؤلاء من يقول: المعدوم ليس بشيء أصلًا، وإن سمي شيئًا باعتبار ثبوته في العلم، كان مجازًا. ومنهم من يقول: لا ريب أن له ثبوتًا في العلم. ووجودًا فيه فهو باعتبار هذا الثبوت والوجود هو شيء وذات، وهؤلاء لا يفرقون بين الوجود والثبوت. كما فرق من قال: المعدوم شيء. ولا يفرقون في كون المعدوم ليس بشيء بين الممكن والممتنع، كما فرق أولئك؛ إذ قد اتفقوا على أن الممتنع ليس يشيء وإنما النزاع في الممكن. وعمدة من جعله شيئًا، إنما هو لأنه ثابت في العلم، وباعتبار ذلك صح أن يخص بالقصد والخلق والخبر عنه والأمر به والنهي عنه، وغير ذلك. قالوا: وهذه التخصيصات تمتنع أن تتعلق بالعدم المحض. فإن خُص الفرق بين الوجود الذي هو الثبوت العيني، وبين الوجود الذي هو الثبوت العلمي، زالت الشبهة في هذا الباب.وقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] ذلك الشيء هو معلوم قبل إبداعه وقيل توجيه هذا الخطاب إليه، وبذلك كان مقدرًا مقضيًا. فإن الله سبحانه وتعالى يقول ويكتب مما يعلمه ما شاء. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عُمَر وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة». قال: «وعرشه على الماء». وفي صحيح البخاري عن عِمْرَان بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض».وفي سنن أبي داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة».إلى أمثال ذلك من النصوص التي تبين أن المخلوق قبل أن يخلق كان معلومًا مخبرًا عنه، مكتوبًا، فهو شيء باعتبار وجوده العلميّ الكلاميّ الكتابيّ، وإن كانت حقيقته التي هي وجوده العيني ليس ثابتًا في الخارج. بل هو عدم محض ونفيٌ في صرف.وهذه المراتب الأربعة المشهورة موجودات، وقد ذكرها الله سبحانه في أول سورة أنزلها على نبيه في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 4] وقد بسطنا الكلام في ذلك في غير هذا الموضع، وإذا كان كذلك كان الخطاب موجهًا إلى من توجهت إليه الإرادة، وتعلقت به القدرة، وخلق كوّن، كما قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] في الذي يقال له: {كن} هو الذي يراد، وهو، حين يراد قبل أن يخلق، له ثبوت وتميز في العلم والتقدير. ولولا ذلك لما تميز المراد المخلوق من غيره، وبهذا يحصل الجواب عن التقسيم. فإن فوق السائل: إن كان المخاطب موجودًا، فتحصيل الحاصل محال، يقال له هذا إذا كان موجودًا في الخارج وجودَه الذي هو وجوده. ولا ريب أن المعدوم ليس موجودًا، ولا هو في نفسه ثابت. وأما ما علم وأريد وكان شيئًا في العلم والإرادة والتقدير فليس وجوده في الخارج محالًا، بل جميع المخلوقات لا توجد إلا بعد وجودها في العلم والإرادة.وقول السائل: إن كان معدومًا فكيف يتصور خطاب المعدوم؟ يقال له: أما إذا قصد أن يخاطب المعدوم بخطاب يفهمه ويمتثله فهذا محال، إذ من شرط المخاطب أن يتمكن من الفهم والفعل، والمعدوم لا يتصور أن يفهم ويفعل، فيمتنع خطاب التكليف له حال عدمه بمعنى أنه مطلوب منه حين عدمه أن يفهم ويفعل، ولذلك أيضًا يمتنع أن يخاطب المعدوم في الخارج خطاب تكوين. بمعنى أن يعتقد أنه شيء ثابت في الخارج، وأنه يخاطب بأن يكون. وأما الشيء المعلوم المذكور المكتوب إذا كان توجيه خطاب التكوين إليه مثل توجيه الإرادة إليه، فليس ذلك محالًا. بل هو أمر ممكن. بل مثل ذلك يجده الْإِنْسَاْن في نفسه، فيقدر أمرًا في نفسه يريد أن يفعله وبوجه إرادته وطلبه إلى ذلك المراد المطلوب، الذي قدره في نفسه، ويكون حصول المارد المطلوب بحسب قدرته، فإن كان قادرًا على حصوله حصل مع الإرادة والطلب الجازم. وإن كان عاجزًا، لم يحصل، وقد يقول الْإِنْسَاْن: ليكن كذا ونحو ذلك من صيغ الطلب. فيكون المطلوب بحسب قدرته عليه، والله سبحانه على كل شيء قدير، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. انتهى..من فوائد الشعراوي في الآية: قال رحمه الله:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (117)}.بعد أن بين الله تبارك وتعالى.. أن قولهم اتخذ الله ولدا هو افتراء على الله.. أراد الحق أن يلفتنا إلي بعض من قدراته.. فقال جل جلاله: {بديع السماوات والأرض}.. أي خلق السماوات والأرض وكل ما فيها من خلق على غير مثال سابق.. أي لم يكن هناك سماء أو أرض أو ملائكة أو جن أو إنسان.. ثم جاء الله سبحانه وتعالى وأوجد متشابها لهم في شكل أو حجم أو قدرة.. أي أنه سبحانه لم يلجأ إلي ما نسميه نحن بالقالب. إن الذي يصنع كوب الماء يصنع أولا قالبا يصب فيه خام الزجاج المنصهر.. فتخرج في النهاية أكواب متشابهة.. وكل صناعة لغير الله تتم على أساس صنع القالب أولا ثم بعد ذلك يبدأ الإنتاج.. ولذلك فإن التكلفة الحقيقية هي في إعداد القالب الجيد الذي يعطينا صورة لما نريد.. والذي يخبز رغيفا مثلا قد لا يستخدم قالبا ولكنه يقلد شيئا سبق.. فشكل الرغيف وخامته سبق أن تم وهو يقوم بتقليدهما في كل مرة.. ولكنه لا يستطيع أن يعطي التماثل في الميزان أو الشكل أو الاستدارة.. بل هناك اختلاف في التقليد ولا يجود كمال في الصناعة.وحين خلق الله جل جلاله الخلق من آدم إلي أن تقوم الساعة.. جعل الخلق متشابهين في كل شيء.. في تكوين الجسم وفي شكله في الرأس والقدمين واليدين والعينين.. وغير ذلك من أعضاء الجسم.. تماثلا دقيقا في الشكل وفي الوظائف.. بحيث يؤدي كل عضو مهمته في الحياة.. ولكن هذا التماثل لم يتم على قالب وإنما تم بكلمة كن.. ورغم التشابه في الخلق فكل منا مختلف عن الآخر اختلافا يجعلك قادرا على تمييزه بالعلم والعين.. فبالعلم كل منا له بصمة إصبع وبصمة صوت يمكن أن يميزها خبراء التسجيل.. وبصمة رائحة قد لا نميزها نحن ولكن تميزها الكلاب المدربة.. فتشم الشيء ثم تسرع فتدلنا على صاحبه ولو كان بين ألف من البشر.. وبصمة شفرة تجعل الجسد يعرف بعضه بعضا.. فإن جئت بخلية من جسد آخر لفظها. وإن جئت بخلية من الجسد نفسه اتحد معها وعالج جراحها.وإذا كان هذا بعض ما وصل إليه العلم.. فإن هناك الكثير مما قد نصل إليه ليؤكد لنا أنه رغم تشابه بلايين الأشخاص.. فإن لكل واحد ما يميزه وحده ولا يتكرر مع خلق الله كلهم.. وهذا هو الإعجاز في الخلق ودليل على طلاقة قدرة الله في كونه. والله سبحانه وتعالى يعطينا المعنى العام في القرآن الكريم بأن هذا من آياته وأنه لم يحدث مصادفة ولم يأت بطريق غير مخطط بل هو معد بقدرة الله سبحانه.. فيقول جل جلاله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (22)} سورة الروم.هذا الاختلاف يمثل لنا طلاقة قدرة الله سبحانه في الخلق على غير مثال.. فكل مخلوق يختلف عمن قبله وعمن بعده وعمن حوله.. مع أنهم في الشكل العام متماثلون.. ولو أنك جمعت الناس كلهم منذ عهد آدم إلي يوم القيامة تجدهم في صورة واحدة.. وكل واحد منهم مختلف عن الآخر.. فلا يوجد بشران من خلق الله كل منهما طبق الأصل من الآخر.. هذه دقة الصنع وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: {بديع}.. والدقة تعطي الحكمة.. والإبراز في صور متعددة يعطي القدرة.. ولذلك بعد أن نموت وتتبعثر عناصرنا في التراب يجمعنا الله يوم القيامة.. والإعجاز في هذا الجمع هو أن كل إنسان سيبعث من عناصره نفسها وصورته نفسها وهيئته نفسها التي كان عليها في الدنيا. ولذلك قال الحق سبحانه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)} سورة ق.إذن الله سبحانه وتعالى بطلاقة قدرته في الإيجاد قد خلقنا.. وبطلاقة قدرته في إعادة الخلق يحيينا بعد الموت.. بشكلنا ولحمنا وصفاتنا وكل ذرة فينا.. هل هناك دقة بعد ذلك؟. لو أننا أتينا بأدق الصناع وأمهرهم وقلنا له: اصنع لنا شيئا تجيده. فلما صنعه قلنا له: اصنع مثله. إنه لا يمكن أن يصنع نموذجا مثله بالمواصفات نفسها؛ لأنه يفتقد المقاييس الدقيقة التي تمده بالمواصفات نفسها التي صنعها. إنه يستطيع أن يعطينا نموذجا متشابها ولكن ليس مثل ما صنع تماما. لكن الله سبحانه وتعالى يتوفى خلقه وساعة القيامة أو ساعة بعثهم يعيدهم بمكوناتهم نفسها التي كانوا عليها دون زيادة أو نقص. وذلك لأنه الله جل جلاله لا يخلق وفق قوالب معينة، وإنما يقول للشيء: كن فيكون.تقول الآية الكريمة: {بديع السماوات والأرض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}.{كن} وردت كثيرا في القرآن الكريم.. وفي اللغة شيء يسمى المشترك اللفظ يكون واحدا ومعانيه تختلف حسب السياق.. فمثلا كلمة قضى لها معاني متعددة ولها معنى يجمع كل معانيها.. مرة يأتي بها الحق بمعنى فرغ أو. انتهى.. في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} من الآية 200 سورة البقرة.ومعناها إذا انتهيتم من مناسك الحج.. ومرة يقول سبحانه: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} من الآية 72 سورة طه.والمعنى افعل ما تريد.. وفي آية أخرى يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} من الآية 36 سورة الأحزاب.والمعنى أنه إذا قال الله شيئا لا يترك للمؤمنين حق الاختيار.. ومرة يصور الله جل جلاله الكفار في الآخرة وهم في النار يريدون أن يستريحوا من العذاب بالموت: واقرأ قوله سبحانه: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77)} سورة الزخرف.ليقض علينا هنا معناها يميتنا.. ومعنى آخر في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} من الآية 22 سورة إبراهيم.أي لما انتهى الأمر ووقع الجزاء.. وفي موقع آخر قوله سبحانه: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} من الآية 29 سورة القصص.قضى الأجل هنا بمعنى أتم الأجل وفي قوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} من الآية 54 سورة يونس.أي حكم وفصل بينهم.وقوله جل جلاله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} من الآية 4 سورة الإسراء.بمعنى أعلمنا بني إسرائيل في كتابهم.. إذن {قضى} لها معان متعددة يحددها السياق.. ولكن هناك معنى تلتقي فيه كل المعاني.. وهو قضى أي حكم وهذا هو المعنى الأم. إذن معنى قوله تعالى: {إذا قضى أمرا}.. أي إذا حكم بحكم فإنه يكون على أننا يجب أن نلاحظ قول الحق: {وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن}.. معنى يقول له أن الأمر موجود عنده.. موجود في علمه.. ولكنه لم يصل إلي علمنا.. أي أنه ليس أمرا جديدا.. لأنه مادام الله سبحانه وتعالى قال: {يقول له}.. كأنه جل جلاله يخاطب موجودا.. ولكن هذا الموجود ليس في علمنا ولا نعلم عنه شيئا.. وإنما هو موجود في علم الله سبحانه وتعالى.. ولذلك قيل أن لله أمورًا يبديها ولا يبتديها.. إنها موجودة عنده لأن الأقلام رفعت، والصحف جفت.. ولكنه يبديها لنا نحن الذين لا نعلمها فنعلمها. اهـ.
|